فصل: تفسير الآيات (4- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (40- 43):

{وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}
{إن} شرط دخلت عليها {ما} مؤكدة، وهي قبل الفعل فصارت في ذلك بمنزلة اللام المؤكدة في القسم التي تكون قبل الفعل في قولك: والله لنخرجن، فلذلك يحسن أن تدخل النون الثقيلة في قولك: {نرينك} لحلولها هنا محل اللام هنالك، ولو لم تدخل {ما} لما جاز ذلك إلا في الشعر، وخص البعض بالذكر إذ مفهوم أن الأعمار تقصر عن إدراك جميع ما تأتي به الأقدار مما توعد به الكفار. وكذلك أعطي الوجود، ألا ترى أن أكثر الفتوح إنما كان بعد النبي عليه السلام و{أو} عاطفة. وقوله: {فإنما} جواب الشرط.
ومعنى الآية: إن نبقك يا محمد لترى أو نتوفينك، فعلى كلا الوجهين إنما يلزمك البلاغ فقط.
وقوله: {نعدهم} محتمل أن يريد به المضار التي توعد بها الكفار، فأطلق فيها لفظة الوعد لما كانت تلك المضار معلومة مصرحاً بها، ويحتمل أن يريد الوعد لمحمد في إهلاك الكفرة، ثم أضاف الوعد إليهم لما كان في شأنهم.
والضمير في قوله: {يروا} عائد على كفار قريش وهم المتقدم ضميرهم في قوله: {نعدهم}.
وقوله: {نأتي} معناه بالقدرة والأمر، كما قال الله تعالى: {فأتى الله بنيانهم من القواعد} [النحل: 26] و{الأرض} يريد به اسم الجنس، وقيل: يريد أرض الكفار المذكورين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا بحسب الاختلاف في قوله: {ننقصها من أطرافها}.
وقرأ الجمهور: {نَنقصها} وقرأ الضحاك {نُنقصها}.
وقوله: {من أطرافها} من قال: إنها أرض الكفار المذكورين- قال: معناه، ألم يروا أنا نأتي أرض هؤلاء بالفتح عليك فننقصها بما يدخل في دينك في القبائل، والبلاد المجاورة لهم، فما يؤمنهم أن نمكنك منهم أيضاً، كما فعلنا بمجاوريهم- قاله ابن عباس والضحاك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا بحسب الاختلاف في قوله: {ننقصها من أطرافها} القول لا يتأتى إلا بأن نقدر نزول هذه الآية بالمدينة، ومن قال: إن {الأرض} اسم جنس جعل الانتقاص من الأطراف بتخريب العمران الذي يحله الله بالكفرة- هذا قول ابن عباس أيضاً ومجاهد.
وقالت فرقة: الانتقاص هو بموت البشر وهلاك الثمرات ونقص البركة، قاله ابن عباس أيضاً والشعبي وعكرمة وقتادة. وقالت فرقة: الانتقاص هو بموت العلماء والأخيار- قال ذلك ابن عباس أيضاً ومجاهد- وكل ما ذكر يدخل في لفظ الآية.
والطرف من كل شيء خياره، ومنه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: العلوم أودية في أي واد أخذت منها حسرت فخذوا من كل شيء طرفاً. يعني خياراً.
وجملة معنى هذه الآية: الموعظة وضرب المثل، أي ألم يروا فيقع منهم اتعاظ.
وأليق ما يقصد لفظ الآية هو تنقص الأرض بالفتوح على محمد.
وقوله: {لا معقب} أي لا راد ولا مناقض يتعقب أحكامه، أي ينظر في أعقابها أمصيبة هي أم لا؟ وسرعة حساب الله واجبة لأنها بالإحاطة ليست بعدد.
و{المكر}: ما يتمرس بالإنسان ويسعى عليه- علم بذلك أو لم يعلم- فوصف الله تعالى الأمم التي سعت على أنبيائها- كما فعلت قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم- ب {المكر}.
وقوله: {فلله المكر جميعاً} أي العقوبات التي أحلها بهم. وسماها مكراً على عرف تسمية المعاقبة باسم الذنب، كقوله تعالى: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15] ونحو هذا.
وفي قوله تعالى: {يعلم ما تكسب مل نفس} تنبيه وتحذير في طي إخبار ثم توعدهم تعالى بقوله: {وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار}.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {الكافر} بالإفراد، وهو اسم الجنس، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي {الكفار}، وقرأ عبد الله بن مسعود {الكافرون}، وقرأ أبي بن كعب: {الذين كفروا}. وتقدم القول في {عقبى الدار} قبل هذا.
وقوله تعالى: {ويقول الذين كفروا} الآية، المعنى: ويكذبك يا محمد هؤلاء الكفرة ويقولون: لست مرسلاً من الله وإنما أنت مدع، قل لهم: {كفى بالله شهيداً}.
و{بالله} في موضع رفع، التقدير: كفى الله. وشهيد بمعنى: شاهد، وقوله: {ومن عنده علم الكتاب} قيل: يريد اليهود والنصارى الذين عندهم الكتب الناطقة برفض الأصنام وتوحيد الله تعالى، وقال قتادة: يريد من آمن منهم كعبد الله بن سلام وتميم الداري وسلمان الفارسي، الذين يشهدون بتصديق محمد، وقال مجاهد: يريد عبد الله بن سلام خاصة، قال هو: فيّ نزلت {ومن عنده علم الكتاب}.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القولان الأخيران لا يستقيمان إلا أن تكون الآية مدنية، والجمهور على أنها مكية- قاله سعيد بن جبير، وقال: لا يصح أن تكون الآية في ابن سلام لكونها مكية وكان يقرأ: {ومِن عنده عُلم الكتاب}.
وقيل: يريد جنياً معروفاً، حكاه النقاش، وهو قول شاذ ضعيف. وقيل: يريد الله تعالى، كأنه استشهد بالله تعالى، ثم ذكره بهذه الألفاظ التي تتضمن صفة تعظيم. ويعترض هذا القول بأن فيه عطف الصفة على الموصوف، وذلك لا يجوز وإنما تعطف الصفات بعضها على بعض. ويحتمل أن تكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: أعدل وأمضى قولاً، ونحو هذا مما يدل عليه لفظ {شهيداً} ويراد بذلك الله تعالى.
وقرأ علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وابن عباس وابن جبير وعكرمة ومجاهد والضحاك والحكم وغيرهم {ومِن عندِه علم الكتاب} بكسر الميم من من وخفض الدال، قال أبو الفتح: ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ علي بن أبي طالب أيضاً والحسن وابن السميفع {ومِن عنده عُلم الكتابُ} بكسر الميم من من وضم العين من علم على أنه مفعول لم يسم فاعله، ورفع الكتاب، وهذه القراءات يراد فيها الله تعالى، لا يحتمل لفظها غير ذلك. والله المعين برحمته.

.سورة إبراهيم:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)}
تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور والاختلاف في ذلك.
و{كتاب} رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذا كتاب، وهذا على أكثر الأقوال في الحروف المقطعة، وأما من قال فيها، إنها كناية عن حروف المعجم، ف {كتاب} مرتفع بقوله: {الر} أي هذه الحروف كتاب أنزلناه إليك، وقوله: {أنزلناه} في موضع الصفة للكتاب.
قال القاضي ابن الطيب وأبو المعالي وغيرهما: إن الإنزال لم يتعلق بالكلام القديم الذي هو صفة الذات، لكن بالمعاني التي أفهمها الله تعالى جبريل عليه السلام من الكلام.
وقوله: {لتخرج} أسند الإخراج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث له فيه المشاركة بالدعاء والإنذار، وحقيقته إنما هي لله تعالى بالاختراع والهداية. وفي هذه اللفظة تشريف للنبي عليه السلام.
وعم {الناس} إذ هو مبعوث إلى جميع الخلق، ثبت ذلك بآيات القرآن التي اقترن بها ما نقل تواتراً من دعوته العالم كله، ومن بعثته إلى الأحمر والأسود علم الصحابة ذلك مشاهدة، ونقل عنهم تواتراً، فعلم قطعاً والحمد لله.
واستعير {الظلمات} للكفر، و{النور} للإيمان، تشبيهاً.
وقوله: {بإذن ربهم}، أي بعلمه وقضائه به وتمكينه لهم..
و{إلى} في قوله: {إلى صراط} بدل من الأولى في قوله: {إلى النور} أي إلى المحجة المؤدية إلى طاعة الله وللإيمان به ورحمته، فأضافها إلى الله بهذه التعلقات.
و{العزيز الحميد} صفتان لائقتان بهذا الموضع، فالعزة من حيث الإنزال للكتاب، وما في ضمن ذلك من القدرة، واستيجاب الحمد من جهة بث هذه النعم على العالم في نصب هدايتهم.
وقرأ نافع وابن عامر {اللهُ الذي} برفع اسم الله على القطع والابتداء وخبره {الذي}، ويصح رفعه على تقدير هو الله الذي. وقرأ الباقون بكسر الهاء على البدل من قوله: {العزيز الحميد}، وروى الأصمعي وحده هذه القراءة عن نافع. وعبر بعض الناس عن هذا بأن قال: التقدير: إلى صراط الله العزيز الحميد، ثم قدم الصفات وأبدل منها الموصوف.
قال القاضي أبو محمد: وإذا كانت هكذا فليست بعد بصفات على طريقة صناعة النحو، وإن كانت بالمعنى صفاته، ذكر معها أو لم يذكر.
وقوله: {وويل} معناه: وشدة وبلاء ونحوه. أي يلقونه من عذاب شديد ينالهم الله به يوم القيامة، ويحتمل أن يريد في الدنيا، هذا معنى قوله: {وويل}. وقال بعض: {ويل} اسم واد في جهنم يسيل من صديد أهل النار.
قال القاضي أبو محمد: وهذا خبر يحتاج إلى سند يقطع العذر، ثم لو كان لقلق تأويل هذه الآية لقوله: {من عذاب} وإنما يحسن تأوله في قوله: {ويلٌ للمطففين} [المطففين: 1] وما أشبهه، وأما هنا فإنما يحسن في {ويل} أن يكون مصدراً، ورفعه على نحو رفعهم: سلام عليك وشبهه.
و{الذين} بدل من الكافرين وقوله: {يستحبون} من صفة الكافرين الذين توعدهم قبل، والمعنى: يؤثرون دنياهم وكفرهم وترك الإذعان للشرع على رحمة الله وسكنى جنته، وقوله: {يصدون} يحتمل أن يتعدى وأن يقف، والمعنى على كلا الوجهين مستقل، تقول: صد زيد غيره، ومن تعديته قول الشاعر: [الوافر]
صددتِ الكأس عنا أمَّ عمرو ** وكان الكأس مجراها اليمينا

و{سبيل الله} طريقة هداه وشرعه الذي جاء به رسوله. وقوله: {ويبغونها عوجاً} يحتمل ثلاثة أوجه من التأويل: أظهرها أن يريد: ويطلبونها في حالة عوج منهم. ولا يراعى إن كانوا بزعمهم على طريق نظر وبسبيل اجتهاد واتباع الأحسن، فقد وصف الله تعالى حالهم تلك بالعوج، وكأنه قال: ويصدون عن سبيل الله التي هي بالحقيقة سبيله، ويطلبونها على عوج في النظر.
والتأويل الثاني أن يكون المعنى: ويطلبون لها عوجاً يظهر فيها، أي يسعون على الشريعة بأقوالهم وأفعالهم. ف {عوجاً} مفعول.
والتأويل الثالث: أن تكون اللفظة من المعنى، على معنى: ويبغون عليها أو فيها عوجاً، ثم حذف الجار، وفي هذا بعض القلق.
وقال كثير من أهل اللغة: العِوج- بكسر العين- في الأمور وفي الدين، وبالجملة في المعاني، والعَوج- بفتح العين- في الأجرام.
قال القاضي أبو محمد: ويعترض هذا القانون بقوله تعالى: {فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً} [طه: 107] وقد تتداخل اللفظة مع الأخرى، ووصف الضلال بالبعد عبارة عن تعمقهم فيه. وصعوبة خروجهم منه.

.تفسير الآيات (4- 5):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)}
هذه الآية طعن ورد على المستغربين أمر محمد عليه السلام، أي لست يا محمد ببدع من الرسل، وإنما أرسلناك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور على عادتنا في رسلنا، في أن نبعثهم بألسنة أممهم ليقع البيان والعبارة المتمكنة، ثم يكون سائر الناس من غير أهل اللسان عيالاً في التبيين على أهل اللسان الذي يكون للنبي، وجعل الله العلة في إرسال الرسل بألسنة قومهم طلب البيان ثم قطع قوله: {فيضل} أي إن النبي إنما غايته أن يبلغ ويبين، وليس فيما كلف أن يهدي ويضل، بل ذلك بيد الله ينفذ فيه سابق قضائه، وله في ذلك العزة التي لا تعارض، والحكمة التي لا تعلل، لا رب غيره.
قال القاضي أبو محمد: فإن اعترض أعجمي بأن يقول: من أين يبين لي هذا الرسول الشريعة وأنا لا أفهمه؟ قيل له: أهل المعرفة باللسان يعبرون ذلك، وفي ذلك كفايتك.
فإن قال: ومن أين تتبين لي المعجزة وأفهم الإعجاز وأنا لا أفقه اللغة؟ قيل له: الحجة عليك إذعان أهل الفصاحة والذين كانوا يظن بهم أنهم قادرون على المعارضة وبإذعانهم قامت الحجة على البشر، كما قامت الحجة في معجزة موسى بإذعان السحرة، وفي معجزة عيسى بإذعان الأطباء.
واللسان في هذه الآية يراد به اللغة.
وقرأ أبو السمال {بلسْن} بسكون السين دون ألف- كريش ورياش- ويقال: لسن ولسان في اللغة، فأما العضو فلا يقال فيه لسن- بسكون السين.
وقوله: {ولقد أرسلنا موسى} الآية، آيات الله هي العصا واليد وسائر التسع. وقوله: {أن أخرج} تقديره: بأن أخرج، ويجوز أن تكون {أن} مفسرة لا موضع لها من الإعراب، وأما {الظلمات} و{النور} فيحتمل أن يراد بها من الكفر إلى الإيمان. وهذا على ظاهر أمر بني إسرائيل في أنهم كانوا قبل بعث موسى أشياعاً متفرقين في الدين. قوم مع القبط في عبادة فرعون، وكلهم على غير شيء، وهذا مذهب الطبري- وحكاه عن ابن عباس- وإن صح أنهم كانوا على دين إبراهيم وإسرائيل ونحو هذا ف {الظلمات} الذل والعبودية، و{النور} العزة والدين والظهور بأمر الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد: وظاهر هذه الآية وأكثر الآيات في رسالة موسى عليه السلام أنها إنما كانت إلى بني إسرائيل خاصة، في معنى الشرع لهم وأمرهم ونهيهم بفروع الديانة، وإلى فرعون وأشراف قومه في أن ينظروا ويعتبروا في آيات موسى فيقروا بالله ويؤمنوا به تعالى وبموسى ومعجزته ويتحققوا نبوته ويرسلوا معه بني إسرائيل.
قال القاضي أبو محمد: ولا يترتب هذا إلا بإيمان به. وأما أن تكون رسالته إليهم لمعنى اتباعه والدخول في شرعه فليس هذا بظاهر القصة ولا كشف الغيب ذلك، ألا ترى أن موسى خرج عنهم ببني إسرائيل؟ فلو لم يتبع لمضى بأمته، وألا ترة أنه لم يدع القبط بجملتهم وإنما كان يحاور أولي الأمر؟ وأيضاً فليس دعاؤه لهم على حد دعاء نوح وهود وصالح أممهم في معنى كفرهم ومعاصيهم، بل في الاهتداء والتزكي وإرسال بني إسرائيل.
ومما يؤيد هذا أنه لو كانت دعوته لفرعون والقبط على حدود دعوته لبني إسرائيل فلم كان يطلب بأمر الله أن يرسل معه بني إسرائيل؟ بل كان يطلب أن يؤمن الجميع ويتشرعوا بشرعه ويستقر الأمر. وأيضاً فلو كان مبعوثاً إلى القبط لرده الله إليهم حين غرق فرعون وجنوده، ولكن لم يكونوا أمة له فلم يرد إليهم.
قال القاضي أبو محمد: واحتج من ذهب إلى أن موسى بعث إلى جميعهم بقوله تعالى في غير آية {إلى فرعون وملئه} [الأعراف: 103]، و{إلى فرعون وقومه} [النمل: 12] والله أعلم.
وقوله: {وذكرهم} الآية. أمر الله عز وجل موسى أن يعظ قومه بالتهديد بنقم الله التي أحلها بالأمم الكافرة قبلهم وبالتعديد لنعمه عليهم في المواطن المتقدمة، وعلى غيرهم من أهل طاعته ليكون جريهم على منهاج الذين أنعم عليهم وهربهم من طريق الذين حلت بهم النقمات، وعبر عن النعم والنقم ب الأيام إذ هي في أيام، وفي هذه العبارة تعظيم هذه الكوائن المذكور بها، ومن هذا المعنى قولهم: يوم عصيب، ويوم عبوس، ويوم بسام، وإنما الحقيقة وصف ما وقع فيه من شدة أو سرور. وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: {أيام الله}: نعمه: وعن فرقة أنها قالت: {أيام الله}: نقمه.
قال القاضي أبو محمد: ولفظة الأيام تعم المعنيين، لأن التذكير يقع بالوجهين جميعاً.
وقوله: {لكل صبار شكور} إنما أراد لكل مؤمن ناظر لنفسه، فأخذ من صفات المؤمن صفتين تجمع أكثر الخصال وتعم أجمل الأفعال.